مراكش الحمراء // فضائح الجزيرة
مصريّو "الجزيرة" القطرية يستقيلون بسبب السياسة والدِّين
محمد الكفراوي
5/18/2009 8:14:00 AM GMT
منذ انطلاق قناة الجزيرة القطرية عام 1996، أصبحت حلما لكل الإعلاميين العرب الذين سعوا للعمل فيها والانضمام الى طاقمها نظرا لما شهدته من ثورة على التقاليد الإعلامية المتحفظة ونزوعها إلى التوجه الليبرالي وتعاطيها مع الرأي والرأي الآخر، الى درجة اعتقد معها البعض أن هذه القناة خطت خطوات واسعة نحو الإعلام العالمي الذي يعتمد على الامكانيات المهولة في تغطية كافة الأحداث ومناقشة كافة القضايا دون محاذير. إلا أن الفترة الأخيرة هدمت هذا الحلم، وجعلته أقرب الى الكابوس، إذ شهدت السنتان الأخيرتان استقالة عدد من العاملين في القناة والتحاقهم بقنوات أخرى احتجاجا على سياستها، وابتعادها عن التوجه الليبرالي الداعم للحريات، وانحيازها للتوجه الإسلامي نظرا لسيطرة عدد من القيادات المعروفة بتوجهاتها الإسلامية على القناة، وأشهرهم وضاح خنفر مدير القناة، وهو أردني لمع نجمه أثناء تغطية أحداث الغزو الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام حسين، وهو معروف بميوله الإسلامية، إذ تم توقيفه من قبل في قضية مرتبطة بهذا الجانب.
والملاحظ أن معظم الاستقالات التي شهدتها القناة في الفترة الأخيرة كانت من جانب إعلاميين مصريين، أبرزهم حافظ الميرازي وهو مصري أمريكي كان يعمل مديرا لمكتب الجزيرة في واشنطن، وعاب على القناة انحيازها لحركة حماس وعدم تناولها الشأن الفلسطيني بموضوعية، لافتا إلى احترامه للهدف النبيل الذي تعمل من أجله حماس، إلا أنه لا يبرر الانحياز لطرف ضد آخر.
وأكد الميرازي، خلال الاحتفال بالذكرى العاشرة للقناة، على أنها قناة ناجحة ومميزة، إلا أنه لا يوجد ما يضمن استمراريتها، خاصة بعد سيطرة الاتجاه الإسلامي المتشدد عليها.
ويبدو أن الميرازي كانت له مواقف حادة ومواجهات عنيفة مع قيادات القناة، ما جعل بعضهم يقترح نقله الى مكتب الدوحة، إلا أنه رفض مبررا ذلك بأن حصار التيار الديني داخل القناة سيظل يلازمه في أي مكان، وضرب أمثلة عدة على سيطرة التيار الإسلامي على إدارة القناة وتحركهم وفق أجندات محددة وحسابات خاصة، يتم بمقتضاها استبعاد تقاريره من واشنطن، وعدم إذاعة تقارير المراسلين في المكتب؛ ما أدى إلى إصابتهم بالاحباط.
ووصف الميرازي بعض قيادات القناة بأنهم لا يستطيعون أن يسلموا على امرأة دون أن يشعروا بأن وضوءهم قد نقض، في إشارة واضحة إلى مدى التشدد الديني الذي ينتهجه هؤلاء، وبالأخص مجموعة المساعدين الذين استجلبهم وضاح خنفر بعد توليه منصب مدير القناة.
وفي النهاية قرر الميرازي العودة إلى بلده الأول مصر وتأسيس قناة جديدة فيها هي قناة "الحياة" التي ارتفعت أسهمها في الحقل الإعلامي خلال مدة قصيرة من إنشائها، غير نادم على الفترة التي قضاها في الجزيرة، مؤكدا أنه ترك خلفه ما يكفي من نجاحات وترك في مكتب واشنطن 25 مراسلا بعد أن استلمه بثلاثة موظفين.
بالنسبة للإعلاميين المصريين لم تكن "الجزيرة" مجرد نافذة جديدة تحقق لهم المجد والشهرة والراحة المادية فقط، بل منبرا مهما يسمح بسقف من الحرية في تناول القضايا المختلفة لا تتيحه أية دولة أخرى.
ومن المعروف أن هذا السقف منح بشكل استثنائي من الحكومة القطرية، وهناك مخاوف من زواله إذا تغيرت القيادة السياسية، أو تعارضت توجهات القناة مع سياساتها، إلا أن الجانب الأخير مضمون تماما فالقناة في قبضة ولي عهد قطر، ويستطيع في أي وقت أن يسيطر عليها ويغير قياداتها، مثلما حدث عندما استبعد وضاح خنفر من مجلس إدارتها بعد أن كثرت الشكاوى حوله.
وإن كانت الجزيرة شهدت صولات وجولات مع النظام المصري الذي يعتبرها عدوه اللدود، لدرجة محاولة تجاهلها تماما في التصريحات الرسمية، والإشارة الى بعض المنابر الإعلامية المغرضة التي تحاول التشكيك في دور مصر في عديد من القضايا العربية، كان آخرها المجازر الإسرائيلية في غزة ومشكلة معبر رفح، وانحازت القناة تماما الى دعاوى حزب الله وإيران في هذه القضية، وخاضت حربا ضروسا ضد مصر في محاولة لإدانتها أمام الشعوب العربية وتصويرها في موقف من يرفض مساعدة الفلسطينيين.
الاعتراض على التوجه الإسلامي الذي بدأت تنحو القناة باتجاهه مؤخرا، تبناه عدد آخر من المراسلين والمذيعين المصريين الذين يعملون بالقناة ومن بينهم لينا الغضبان التي ظلت تراسل القناة لمدة 7 سنوات من مصر وغطت العديد من الأحداث المهمة، مثل الانتخابات الرئاسية والتحرش بالفتيات. إذ قدمت استقالتها معترضة على التمييز بين العاملين بها في الأجور، وكذلك اعتراضا على تراجع دور التيار الليبرالي الذي كان يضمن للقناة الحرية والمصداقية، والأمر نفسه حدث مع المذيعة سوزان حرفي التي أعلنت في استقالتها أن هناك قواعد أخرى للتصعيد المهني غير القواعد المألوفة، مؤكدة أن الحسابات والمواقف الشخصية والأحكام المسبقة هي التي تحكم الحراك المهني في القناة.
المذيعة منى سلمان أيضا ممن تركوا القناة وإن كانت لم تستقِل، إلا أنها رفضت تجديد عقدها بعد انتهائه، وقررت الالتحاق بقناة "المحور" المصرية. ليبقى في قناة الجزيرة عدد قليل من الأسماء المصرية، مثل حسين عبد الغني وأحمد منصور وأيمن جاب الله وأحمد بشتو ويوسف خطاب وعمرو عبد الحميد إضافة إلى مراسلي مكتب القاهرة.
مما يدعو إلى التساؤل عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الاستقالات، وهل يمكن تلخيصها في قرب زوال الحلم الذي أوحت به "الجزيرة" باعتبارها منبرا لحرية الرأي والتفكير، بعد أن أصبحت ناطقة بلسان حال اتجاه معين هو الاتجاه الإسلامي المسيطر عليها بحسب شهادات المستقيلين.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire