
مراكش الحمراء // مذكرات صديق الحسن الثاني
فرح ديبا: الخميني أعدم الرجل الذي أنقذه من الإعدام!
مذكرات
4/8/2010
تتخذ الملكة فرح بهلوي زوجة الشاه محمد رضا بهلوي ، من لحظة خروجها من ايران نقطة الاتطلاق في ذكراتها التي تبدؤها بكلمات ملؤها المرارة والحزن وهي تصف تلك اللحظات التي تترك فهيا إيران بصحبة زوجها الشاه، قائلة: " كان عليّ أن أجمع بعض الأشياء في الصباح ، ظللت أفكر طوال الليل في صور الأطفال وألبومات العائلة ، وكنت حزينة للغاية إزاء فكرة تركها وراءنا .. أسرعي ! اجمعي الألبومات ! جميع ذكريات سعادتنا الماضية تحويها تلك الصفحات، ما الذي ينبغي أن آخذه أيضاً ؟ كنت في حالة جعلتني أركز انتباهي فجأة على زوج من الأحذية ذات الرقبة ، كنت أحب ارتداءه في الريف . من الآن فصاعداً سيصير لدينا كل الوقت المتاح في العالم للسير على الأقدام ، والمشي ضروري إذا كان علينا الحفاظ على أن نبدو بمظهر متزن وألا نستسلم لليأس .. " .
والمذكرات التي صدرت ترجمتها العربية منذ شهر تقريبا عن دار الشروق المصرية بعنوان " فرح بهلوي- مذكرات " وقام بترجمتها اكرام يوسف وفيها تسرد لنا فرح ديبا ذكرياتها عن الطفولة وسنوات الدراسة ، وخاصة في كلية العمارة في باريس ، وتؤكد أنها ورثت من شخصية والدها صهراب ديبا الصدق والجدية والميل الطبيعي للسعادة ، كما تدين في قدر كبير من هذه السمات لحزم والدتها الشديد ، تصف الملكة فرح الحالة التي كانت عليها إيران في فترة الخمسينيات ، فتقول " عندما تقلد الشاه "رضا بهلوي" والد زوجي العرش بمرسوم برلماني ، كانت إيران بلداً من بلدان العصور الوسطى بلا أي قيادة . ولم يحكم الشاه "أحمد" آخر ملوك "قاجار" سوى طهران وحدها ، بينما بقية البلاد في أيدي زعماء القبائل ، وكبار الملاك ، والقانون الحاكم الوحيد هو قانون الأقوى . وسلمت مواردنا الرئيسية للأجانب ، البريطانيون يديرون بترولنا ، وجيشنا ـ أو ما تبقى منه ـ يتلقى أوامره من الضباط الروس في الشمال ، والضباط البريطانيين في الجنوب ، والبلجيك يديرون دوائرنا الجمركية ، والسويديون يديرون شرطتنا . وهكذا ، كانت إيران من أكثر البلدان تمزقاً في العالم . وانخفض العمر الافتراضي للإيرانيين إلى ثلاثين عاماً ، وأصبح معدل وفيات المواليد أعلى المعدلات عالمياً ، ولم يكن هناك سوى متعلم واحد بالكاد من كل مائة إيراني ، ولا توجد حقوق للنساء ، ولا حتى الذهاب للمدرسة . وباختصار، لم يكن لدى البلاد ، على العكس من جاراتها الكبريات مثل الهند وتركيا ، طرق أو سكك حديد تذكر ، ولا يوجد سوى مولد وحيد للكهرباء في طهران " .
وبعد أن رسمت لنا الملكة فرح صورة واضحة عن الحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتدهورة في البلاد تعود فتذكر كيف أنه بعد ربع قرن من الزمان أصبح الحال على غير ما هو عليه ، وظلت تعدد مظاهر النهضة وما قام به الشاه من إنجازات في إيران ، قائلة " أصبح لدى إيران التي عرفتها مدارس وجامعات ومستشفيات ، وإذا كانت الطرق لم تعبد كلها بعد فقد شقت على الأقل ، وأخيراً ربطت سكك الحديد بحر قزوين بالخليج الفارسي . ولا شك أنه كان هناك العديد مما يتعين بناؤه ، ولكن بالنسبة لجيل والدي ، الذي استطاع أن يرى حجم ما تم إنجازه ، يعتبر ما منحه الشاه "رضا" للبلاد مماثلاً لما منحه "مصطفى كمال أتاتورك" لتركيا من ثورة صناعية وثقافية بيضاء . فكيف لا يدينون له بالولاء ؟!". في عام 1962 ، أنهى الملك تخطيط الإصلاحات الكبرى الستة التي أطلق عليها " الثورة البيضاء " ، وهي بيضاء لأنها استهدفت تحويل إيران إلى دولة حديثة من دون إراقة قطرة دم واحدة .. ففي إيران منتصف القرن العشرين كانت نسبة 95% من الأراضي الزراعية لا تزال في أيدي القلة المتميزة ، بينما أوضاع طبقة فلاحينا تماثل تقريباً في السوء وضع الرقيق في أوروبا القرون الوسطى ، ولم يكن من الممكن أن تستمر هذه التفرقة . ووفقاً للقانون الجديد لا يجوز لأولئك الذين يمتلكون عدة قرى سوى الاحتفاظ بواحدة فحسب ، وعليهم بيع القرى الأخرى للحكومة التي تقوم بتوزيع الأراضي على الفلاحين . وفي ذلك الوقت لم يكن في إيران سجلات للأراضي ، ومن ثم كانت القرية هي وحدة القياس المستخدمة ، رغم أن أحجام القرى تتفاوت . وبعد عامين من إصدار قانون الإصلاح الزراعي صار ثمانية آلاف و200 قرية (من بين إجمالي 18 ألف قرية) مقسمة بالفعل بين 300 ألف أسرة . وكان من المفترض أن تستمر هذه الحركة على الرغم من معارضة رجال الدين العنيفة . عمل على تمويل الإصلاح الزراعي حيث تقرر خصخصة عدد معين من المشروعات الحكومية . كما أمم الغابات والمراعي ، ومساعدة العمال بتمكينهم من المشاركة في أرباح شركاتهم ، وخصصت نسبة 20% من جميع الأسهم في الشركات الإيرانية للعمال وموظفي الإدارة . وأنشأ "فيالق محو الأمية" ، ففي بداية الستينيات بلغت نسبة الأميين في إيران 80% ، فجند الشباب من خريجي المدارس الثانوية لهذه المهمة ، وكانت فكرة سرعان ما جذبت اهتمام العالم ، وعلى غرار ذلك أنشأ "فيالق الصحة العامة"، ثم " فيالق التنمية والبناء" .
وتقول الملكة فرح " كان الملك والحكومة والمكلفون مدركين تماماً للصعوبات التي أمامهم مع هذه المجموعة الأولى من الإصلاحات .. وكنت فخورة للغاية بكوني زوجة رجل وضع مثل هذه الشجاعة وقوة البصيرة في خدمة بلده ، أعجبت به وشعرت أنه بصدد الإسهام ببعض صفحات ضرورية في تاريخنا .. قرر زوجي أن يطرح هذه الإجراءات على الشعب من خلال الاستفتاء ، ويوضح قرار اللجوء لاستفتاء ، وهو سمة الديموقراطيات الحديثة ، أن الأزمنة تتغير ؛ فالحكم المطلق في عهد "رضا شاه" كان ضرورياً ، بل إنه لا مفر منه ، لإخراج البلاد بسرعة من حالة التخلف التي عانت منها تحت حكم "القاجار" . ومع ذلك نحن ندخل الآن مرحلة للمواطنين فيها صوت أعلى . وفي هذا الشأن أراد زوجي أن يقود إيران تدريجياً نحو ملكية منفتحة وديموقراطية . ولكن لم تسمح له الحياة إلا بالسير إلى منتصف المسافة فقط .. غير أن التقدم الذي أحرز كان أيضاً على غير رغبة شرائح من رجال الدين رجعية على تأييد الشيوعيين الذين ظلوا يطمحون إلى الإطاحة بالملكية ، وأطلق الملك على ذلك وصف: "الحلف الملعون بين الحمر والسود" .. وقبيل الاستفتاء بوقت قصير كتب رجل دين ـ لم نكن سمعنا عنه قبلاً ، يدعى "روح الله خوميني" محتجاً على تصويت النساء . وعبر عن الاعتقاد الراسخ لدى جميع رجال الدين تقريباً . فما الذي يمكن أن يقوله المرء رداً على الرجال الذين ينكرون فهم المرأة ، وحقها في إبداء رأي بشأن حياة البلاد؟! إننا ـ نحن النساء ـ لسن مجرد ماعز ؟! أم أننا نعيش في العصور الوسطى ؟! وما الفائدة ؟! كان الملك يعتمد على النشاط القوي للمخابرات ضد الرجعية والظلامية .
وتواصل الملكة فرح حديثها عن إنجازات الملك التي ثبت أيضاً أنها حافلة بالتداعيات " نجم عنها منح المرأة الحق في الاقتراع والترشح في الانتخابات ، وسرعان ما اتخذ قسم محافظ وظلامي من رجال الدين موقف الهجوم .. وكان "الشاه الاب " في 1936 حريصاً أيضاً على منح المرأة نفس حقوق الرجل ، وجلب على نفسه غضب رجال الدين بحظر ارتداء الشادور "حجاب الإيرانيات" ، والأسوأ من ذلك طلبه من الشرطة نزع الشادور عن النساء اللاتي صممن على ارتدائه .. وكان قد طبق هذا الحكم على نساء أسرته وجعل الملكة الأم وابنتيها يظهرن مرتديات القبعات وليس الأحجبة .
وهذه المرة لم تكن المبادرة تقصد بأية حال أن تبدو كما لو أنها مهاجمة للاعتدال، وإنما على العكس كعلامة أولية على احترام النساء ، وكان المقرر أن يتمتعن في النهاية بحقوق المواطنة الكاملة ، أما بالنسبة للشادور فكان زوجي ألغى فترة مرسوم والده وسمح للنساء بحرية ارتدائه أو عدم ارتدائه وفق ما يرغبن " .
وتستمر الملكة في سرد الأحداث التي كان قطباها الشاه والخوميني ، فتقول " صارت الاحتجاجات في المدن المقدسة خاصة مدينة " فم " عنيفة أكثر فأكثر بمرور الوقت ، كما عارض رجال الدين تصويت المرأة ، ووقفوا أيضاً ضد الإصلاح الزراعي لأنه سوف يحرمهم من ريع أملاكهم الواسعة ، ووجدوا في كبار ملاك الأراضي حلفاء بالطبع ، كما رأى رجال الدين أن "فيالق محو الأمية" تمثل خطراً في الأجل الطويل ، لأن هؤلاء الفتيان خريجي المدارس الثانوية ، الذين يطوفون عبر أنحاء القرى ، سوف يبعدون العقول عن سيطرة الملالي الكاملة ، عبر نشرهم المعرفة والمعلومات . وبدا أن الإبقاء على الوضع الراهن هو السياسة الوحيدة التي تناسب رجال الدين عندنا .
وكان أكثرهم إثارة للعصيان "روح الله خوميني" ، فأبدى عدم الاحترام ، وأصبح الآن يلقي خطباً ضد التقدم والمدنية ، اللذين لخصهما باعتبارهما "تغريباً" للبلاد . وبلغ الاضطراب أوجه عندما قتلت الحشود شرطياً في مدينة " مشهد " المقدسة ، وفي " طهران " و " شيراز " أشعل المتظاهرون النيران في مكتبة عامة، وأكشاك لبيع الصحف ، ووقعت عدة حوادث نهب ، ونتيجة لذلك قررت الحكومة اعتقال " خوميني " .. ولما استشعر رئيس الوزراء " أسد الله عَلَم " الخطر الذي يواجه البلاد طلب من الملك منحه سلطة مؤقتة على الجيش ، وجمع الضباط المكلفين وحذرهم من أن المتمردين يمكن أن يستولوا على طهران وخولهم سلطة إطلاق النار في حالة الخطر الشديد .. ووقعت خمسون حالة وفاة في طهران والأقاليم .
وسرت شائعة أن خوميني ربما يواجه حكم الإعدام وكان علم يميل إلى توقيع عقوبة السجن عليه ، أما الجنرال "حسن بقروان" رئيس السافاك ( هيئة أمن الدولة والمخابرات ) فقد التمس الرأفة من الملك واقترح إبعاده عن البلاد فوافق الملك ، وأرسل الخوميني إلى تركيا ، وفيما بعد التمس من الملك أن يستقر في العراق ، حيث واصل عمله الهدام ببطء وعلى نحو متنام . وعندما عاد إلى طهران عقب الثورة الإسلامية كان أول من أمر بقتله هو الجنرال " بقروان " الرجل الذي أنقذ حياته .
وتؤكد الملكة أنه هناك ثمن لترويج أية فكرة ، فتعرض لعدة محاولات اغتيال تعرض لها الملك ولكنه نجا منها جميعاً بأعجوبة ، ولا مبرر لهذه النجاة إلا العناية الإلهية التي أحاطت به طوال حياته منذ طفولته وحتى أيامه الأخيرة ، ففي العاشر من أبريل 1965 تعرض الملك إلى محاولة اغتيال وهو في طريقه إلى مكتبه في قصر الرخام ، حيث أطلق عليه النار واحد من حرس الخيالة فور خروجه من السيارة ولكنه نجا من هذه المحاولة وهو يخطو خطوات ثابتة نحو المبنى ـ أكد ذلك السائق ورجال الحرس الذين أدركوه فور سماع إطلاق النار ـ ولم يهتز أو يخشى الرصاصات المصوبة نحوه ، كما تذكر أيضاً أنه قبل ذلك التاريخ بحوالي خمسة عشر عاماً تعرض لمحاولة أخطر من هذه ، ففي ذلك اليوم حضر ليرأس الاحتفال بذكرى تأسيس جامعة طهران وكان مقرراً أن يسلم بعض الطلبة شهاداتهم ، وفوجئ بأحد المصورين يطلق عليه الرصاص من مسدس كان يخفيه في آلة التصوير ، حيث اخترقت رصاصات ثلاث قبعته والرابعة أصابت الخد الأيمن ، والخامسة أصابت كتفه ، وكان الجاني عضواً في حزب " توده " الشيوعي .
وتحدثنا الملكة فرح بهلوي عن المسئوليات التي وقعت على كاهلها بمجرد أن صارت زوجة للملك ، وقد بدا ذلك واضحاً في اهتمامها بشؤون البلاد وعلى الأخص صحة المواطن الإيراني ، ففور زواجها بالملك ترأست جمعية مساعدة مرضى الجذام ، وسارعت بزيارة مركز مرضى الجذام في "تبريز" ، ونتيجة لهذه الزيارة بدأت مباحثات مع متخصصين بشأن إعداد برنامج للكشف المبكر وتدريسه لطلاب الطب والأطباء ، وجرى إعداد دراسة لتحديد أفضل سبل تخفيف عزل المرضى . كما برز دورها في توفير فرصة القراءة للأطفال ، وإنشاء المكتبات الخاصة لهم ، وشكلت " هيئة التنمية الفكرية للأطفال والشباب " ، وشجعت الكتاب للكتابة لهم وأرسلت الفنانين إلى تشيكوسلوفاكيا لاكتساب المهارة في هذا المجال حيث كانوا يفتقدون تقليد إبداع الأعمال الفنية للأطفال وتعلموا هناك أيضاً تقنيات الرسوم المتحركة والكارتون ، وعملت على تنظيم المهرجان الدولي لسينما الأطفال . تقول الملكة فرح: " ومع ذلك كان طموحنا الكبير أن نغطي البلاد بالكامل حتى القرى النائية ، ومن أجل هذا أنشأت الهيئة المكتبات المتجولة ، ووفقاً للتضاريس وحالة الطرق كنا ننقل الكتب في شاحنات وسيارات "جيب" أو حتى على البغال ، عندما كانت البغال وسيلة النقل الوحيدة التي تستطيع الوصول إلى المنطقة المطلوبة ... وساعدتني مشاركتي في الجمعيات الخاصة من أجل التعليم والصحة والثقافة والرياضة ، على القيام بدوري كملكة على نحو أفضل . وفي منتصف الستينيات ، بعد خمس سنوات من زواجي شعرت أخيراً أنني عثرت على ضالتي ، كان ذلك عندما قرر الملك ورئيس وزرائه الجديد " أمير عباس هويدا " تعييني وصية على العرش ، وهو ما يعني أنني في حالة وفاة الملك، سأكون مسئولة عن مصير إيران .
************************************
في الجزء الثاني : المثقفون الإيرانيون يتعجلون الدخول في عصر جديد ـ الشاه يحاول إعادة الصلة بالجماعات المختلفة في البلاد ـ رحلة المنفى في بلاد العالم ـ الرئيس السادات كان يد المساعدة للشاه في منفاه ـ جنازة الشاه في القاهرة ـ الملكة فرح بهلوي في قصر القبة .
إعداد: سعاد سليمان // السياسي
*****************************
http://www.ahewar.org/m.asp?i=2121&fAdd=
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire