مراكش الحمراء // ثقافة
قصة قصيرة // القمر الممزق
سحر حسن أبو ليل
// أنت لا تحبني , متى تفهم أن عالم الأرقام هو عالم أبله ؟ متى ستدرك أنني لست البقرة التي اشتراها أبوك لتحلبها كل يوم , سحقا لك و لأموالك ؟ // أزالت فمه الذي تفوح منه رائحة الفودكا و غادرت السرير متجهة نحو حديقة البيت كثور اسباني هائج , أما هو فقد وقف تمثالا أبكما أمام ثورتها العاصفة.. كانتا تحرير زوجة صالحة زوجها ليت لأكتر من عامين ونصف , لكن صمام الأمان ,بدأ بالانفجار رويدا رويدا فهي كاتبة, شاعرة و غنية حساسة , و هو مدير لسلسلة فنادق مشهورة في الناصرة , و كل حياته مبنية على عالم المادة و المظاهر البراقة الكاذبة , و الحفلات و المسايرات الاجتماعية المنافقة , و على الرغم من كونهما زوجين محبين إلا أن دائرة الصراع كانت تتسع يوما بعد يوم بين عالم الروحانيات الذي كانت تنتمي تحرير و عالم المادة الذي يسطر على دماغ زوجها .هي نامت باكية وحيدة في حديقتها , غير أنها استيقظت نشيطة جميلة كطير فينيقي ساحر , و دخلت البيت تعد قوامها على أنغام الفيروز التي تعشقها عشقا خرافيتا , و بحثت عن زوجها في كل أرجاء المنزل ليشربا القهوة معا لكنه كان قد غادر لمكتبه باكرا و غير آبه لها أو لجرحها الذي ينزف مند سنتين. جلست تشرب القهوة محاولة أن تستجمع أفكارها و تكتب مقالها الأسبوعي, إلا أن صوت جرس الهاتف كان قد اقتحم عليها خلوتها ..
// ألو ..تحرير .. ألا زلت في البيت ؟
أجل , الناس تقول صباح الخير أولا //
لا وقت لي للمحاضرات الآن , جهزي نفسك , لدينا حفلة في الفندق الليلة و سيحضر كبار الأغنياء في الدولة , و أريدك أن تغني لهم //.
// ماذا , و هل أخبرك أحدهم أن// ي جاريتك المطيعة , تم أن لدينا حفلة خيرية اليوم لدعم صندوق مرضى السرطان, و هؤلاء أهم بكثير من بطون أصدقائك المنتفخة // .
ماذا , هل جننت ؟ أتعلمين كم سأكسب ؟ستأتين يعني ستأتين, نقطة سطر جديد // .
// أنا اسمي تحرير يا حبيبي و لا احد يأمرني //.
و أغلقت الهاتف بغضب لتكسر فنجان قهوتها و تغادر المنزل حتى تبدأ / البروفا / و التمرينات .
في مساء ذالك اليوم دخلت القاعة كحسناء سومرية , و غنت من صميم قلبها فقد لمحت برق الابتسامات و انفراج أسارير المرضى أمامها , و عادت إلى البيت يومها و كأنها قد امتلكت كوكبا من الزهور, فغطت كالطفلة في نوم عميق لشدة سرورها و غبطتها , و لم تستيقظ إلا على صوت سعال زوجها حينما عاد تملا في الرابعة صباحا , فلم تجد مفرا سوى أن تعتني به و تبقى إلى جانبه حتى يهدأ و ينام. استيقظ ليت على أنغام عصافير ظهر اليوم التالي فوجد تحرير تكتب قصتها الجديدة بشغف و تأثر , فاشتعلت نيران أعصابه غضا و جلس أمامها محاولا كظم غيظه.
لمن تعزفين على أوتار المبادئ و الشعارات , لمن تكتبين هذه الكلمات و المثاليات ؟
رسمت ابتسامة عريضة و قالت ..
للمعذبين في الأرض مثلي , لهؤلاء الذين يحبون الغوص في النفس الإنسانية.
لكنك لا تنشرين كل ما تكتبين ..
لماذا لا تفهم يا حبيبي أني أكتب لأريح نبضي أولا؟
و ماذا سيستفيد الآخرون من نبضك هذا ؟
ألست إنسانة و لدي تجربتي ؟ ألا يستفيد الذكي من تجارب الآخرين ؟ تم أليس ما أكتب يسمى إبداعا ؟
تحرير سئمت شعاراتك هذه , لم أعد قادرا على فهمك , أنت تعيشين في عالم معقم و حياتنا ليست كذالك ..
ليس الأمر بهذه الصورة المشكلة بيني و بينك منذ البداية هي أنك إنسان عادي و أنا إنسانة مبدعة, و دعني أخبرك ما معنى أن تكون فنانا أو مبدعا , إن الإنسان المبدع يعيش حياتنا اليومية كما كل البشر , لكن الفرق هو أن لديه عالم خياليا إضافيا يعيش فيه , لديه جنون و وحي لا يعرف متى يهبط فجأة , فأنت ترى بنفسك ما أعيش من حالات نفسية متقلبة كل الوقت , و هي ذاتها التي تعطيني القدرة على الغناء و الكتابة..
لكنك و حيدة و لا أصدقاء لك و نحن خلقنا اجتماعيين..
لا عليك , فكلما ارتقى الإنسان بنفسه و ثقافته و وعيه استطاع الاستغناء عن حياته الاجتماعية.
لا غنى لك عن البشر يا تحرير...
و اذا كان عالمنا ملوثا , و نفوس هؤلاء البشر مجرمة , و أنانيتهم تقتلهم , مالي أنا و لغدرهم و تفاهتهم ؟
أووووووو..أنت أصبحت لا تطاقين , تقيسين كل حياتك بثقافة الورود , حساسة أكتر من اللزوم و تخشين أن يجرحك أحدهم كل الوقت , لقد سئمتك ..و سئمت هذه الشعارات , أنا أريد امرأة فقط , من قال أن من واجبي حمل هموم البشرية فوق أكتافي؟
حسنا, سأخبرك ماذا تريد ..
أنت تريد بقرة تحلبها كل ليلة فوق السرير, تريد جارية تخدمك و تطعمك , تريد رسمة تتفاخر بها أمام أصدقائك المنافين , أنت تريد مني أن أكون كرسيا من كراسي مكتبك حتى تسترح و تضاعف أموالك , و لكن هل تعلم أني أنا من سئم منك و من تفاهة عقلك , أنا سأجمع أقلامي و كتبي و أتركك لحفلاتك أيها الذنجوان..
لا.. لا يا تحرير ..أنت قمري ..أنت.. أنت..
أجل , أنا قمرك الممزق لذالك سأرحل ..
حملت تحرير كتبها و أغراضها و هي مؤمنة كل الإيمان أن مكانها في كوكب آخر , و ثورتها ستسجل بكتاب التاريخ شاء أم أبى لكن ليس بحضن زوجها... لعلها تنجح في ذالك !
كاتبة و شاعرة من فلسطين
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire