mardi 2 février 2010

الليل و الخيام , قصة قصرة تستحق المتابعة


مراكش الحمراء // ثقافة

قصة قصيرة

الليل و الخيام

زهدي حسني الزمر

كنا صغارا عندما حط الرحال بالعائلة بعد سفر شاق, أنزل والدي متاعنا الذي لا يعدو كيس من الخيش محشو ببعض الملابس و أواني الألمنيوم المنزلية, و عدد من الأكياس الطويلة ذات الخط الأحمر , و فرشة رقيقة بداخلها طبقة من الصوف و القطن المتكتل .ملبيا دعوة ابن عمه في السكن بجواره في المخيم. نصب خيمة لإيوائنا , لا تبعد عن خيمة قريبه سوى بضعة أمتار, تكوما فيها أول ليلة و لا نعرف أنها تبعد عن المقبرة بضعة أقدام فنكون جاورنا الموتى من أول يوم , و كنا نسمع نقيق الضفادع الصادحة ليلا من السيل الذي يجري على مسافة خمسة دقائق سيرا على الأقدام , و كنا نتجمع داخل الخيمة حين يسدل الظلام الموحش ثوبه على الكون المحيط بنا ,فتشعل الوالدة السراج الصغير الذي يشتعل بالكيروسين /الكاز / و بلورة السراج / زجاجته / تتلون بخطوط سوداء من السناج المنبعت عنه فيصدر نورا خافتا و الليل في المخيم لا يشبه الليل في أي مكان.. معتم طويل موحش , مخيف يغطي كل الأنحاء و المساحاتو الأرض و الأفق و يترع فوق الخيام , و يغشي النفوس . و مما يزيد من خوفنا و رعبنا في طفولتنا , خيالاتنا و ظلالنا التي تنعكس على جوانب الخيمة من الداخل فنراها و نتخيلها أشباحا و صورا للجن تجعلنا نرتعد في داخلنا مثل الخراف في الحظيرة , حين يدهمها ذئب جائع أو ضبع هائم ... الضبع اسمه يخيفنا أكتر لأننا سمعنا قريبنا و هو يساعد والدي في نصب الخيمة يحذره من مجيء الضبع ليلا من منطقة السيل و تجواله بين الخيام , فأحضرا حجارة كبيرة لتدعيم الخيمة و تحوطها لحمايتها, و نصحه أن يبقى السراج مشتعلا طوال الليل لأن الضبع يخشى الضؤ و يهامه. فرشت الوالدة ارضية الخيمة بأكياس الخيش و ألواح صناديق الكرتون, دسسنا أجسادنا الهشة بين أكياس الخيش وأغطية رقية من قماش الملاحف البالية غطينها بها رؤوسنا حتى لا نرى أشباح خيالاتنا و ظلالنا على جوانب الخيمة, و حتى لو جاء الضبع فانه لا يرانا و نحن نائمين فلا يقترب منا, هذا تفكيرنا الطفولي...و في ظهيرة اليوم التالي جاء / مطاوع / الذي يصنع الطوب من الطين و يبيعه لمن يرغب من أهل المخيم ببناء غرفة من الطين إلى جانب خيمته, تعرف على والدي و أخذ يكيل له النصائح بتحذيره من الضبع. وأنه رأى الضبع قبل تلاتة أيام يتجول بين الخيام , لمحه عند الفجر بينما هو يهم بتفقد الطوب, و أنه سمع أن من يتتبعه الضبع و يرشقه ببوله يصبح جبانا و يلحق الضبع إلى وكره أو مغارته فيصبح فريسة سهلة لأكله و قضم عظامه و هو يعرف شخصا في المخيم ر شقه الضبع ببوله و تبعه و لم يرجع حتى الآن. هذه النصائح و غيرها هدت والدي لاقتناء كلب و تربيته لحراستنا و أن نباحه في الليل يبعد الضبع و لا يقترب من الخيمة , مما رفع معنوياتنا وزاد من شجاعتنا ,كبر الكلب مع الأيام وزادت شراسته و كان يفك من عقاله ليلا و يطلق سراحه , فكان يجرأ مهاجمة المارة ,أو من يقترب من الخيمة, يقفز عليه, يمزق ملابسه , يعقره حتى وصفه أهل المخيم / المسعور /, تسمن وزاد وزنه حتى غدا بحجم تيس الغنم, فسميناه / الفحل / تيمنا و استبشرنا به , لو جاء الضبع يشتبك معه و ينتصر عليه فنرتاح من خوفنا المتواصل , كنا نكرمه و نقدم له عشاء دسما من أحشاء الدجاج , كي يحافظ على قوته و لا يخاف من الضبع أو يهابه, جاءت ليلة ماطرة , باردة, الريح فيها تصرخ’ تضرب الخيام فتجعلها تتراقص مثل صوفي في حلقة الزار, و تهز حبالها بشدة, تخيلنا ليلتها أنها ستقلع الخيام و تخذها معها, هذا الليل الصاخب يبتلع ظلامه الحالك حركة الناس مما يحفز الفحل لحراسة أكتر بعد تناوله و جبته الدسمة , و يدعو الضبع لزيارة المخيم , لكن الفحل ما أن شم رائحة الضبع بدل أن ينبح و يعلي صوته , أخذ يجوح ...و يجوح ... حتى خبا صوته, بعفوية الطفولة البريئة الخائفة أحسسنا أن الضبع يتجول بين الخيام, زدنا ارتعاشا ورعبا في فراشنا , ليس من البرد القارص فحسب بل و لكن من الضبع. بح صوت الفحل و لا يكاد يسمع, و تمدد على الأرض للتمويه خوفا من الضبع , أدرك والدي حينها أن الضبع يقترب من الخيمة , سحب الفحل من رقبته و جره حلف الخيمة و أقفل راجعا إلى داخلها بسرعة و تمالك شجاعته, حمل سكينا بيد و بالأخرى السراج , و صرخ على الجيران المجاورين كي يستيقظوا, عيوننا الناعسة المحتقنة رعبا و ذعرا متعلقة بوالدنا. و بعد برهة سمعنا هوى بحفرة عميقة , و شخيره يعلو, محاولا الصعود منها, لكن حوافها الطينية اللزجة منعته من التسلق إلى الأعلى, عندها تمتم والدي بحمد الله و شكره لأن الضبع سقط في الفخ الذي نصبه له قبل أيام , حين غطى الحفرة التي أعدها لتكون حمام لنا بأكياس الخيش و ألواح الكرتون و عند الفجر و بعد أن خارت قوة الضبع و ضعفت سكب عليه , الكيروسين , المخصص لإضاءة السراج وتدفئتنا , و أشعل فيه النار, حتى احترق بالكامل, و , الفحل , يراقب موت الضبع و حرقه بشماتة عند فوهة الحفرة, هز ذيله فرحا , و أخذ ينبح بصوت عال يزعج والدي ويضايقه , فأخرسه بغلق فمه, و سحبه قريبا منه, و وضع رأسه بالوحل و هو يردد..

لا فيك و لا في نباحك...أين كان نباحك الليلة و أنت ترتعد خوفا؟؟

الأردن

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire