حياة المعدبين ..
محمد كوحلال
ساحة الأحلام المفقودة
لا يستطيع المرء أن يكون متأكدا من أنه هناك شيء يعيش من أجله , إلا ادا كان مستعدا للموت في سبيله...
تشي غيفارا
مجيد شاب من حفدة المرابطين , مراكشي قح بلكنة مراكشية تطرب أدن كل زائر لجوهرة الجنوب مراكش الرائعة و الصامدة أمام غزو الفرنجة لدورها و أزقتها...
مجيد اقترب من عقده التالت يتيم الأبوين و حيد في عالم البؤساء, يشتغل بالتجارة يتجول بين أزقة المدينة حاملا ساعات يدوية يراوغ رجال الشرطة السياحية , حيت يروي بنبرة الغاضب عن معاناته مع هاده الفصيلة البشرية الغريبة الأطوار..و لي عودة لهؤلاء..بالتفضيل الممل بعد أن توصلت بأخبار عنهم..سيئة..و تحديدا من // باب فتوح // المدينة القدينة.
مجيد شاب مثقف هادئ الطباع يتحدث باللغة الاسبانية و الانجليزية و الفرنسية بطلاقة , من خلال احتكاكه بالسياح مند طفولته صار له قاموس لغوي يحسد عليه من قبل تلاميدتنا الفاشلين و تعليمنا الزفت.
حياة مجيد تتخللها عقبات و فشل متواصل لا ينقطع كشلال , ينعل وضعه الزفت و يكره شباب اليوم المتقاعسين اللذين يلهثون وراء الموضة الكذابة كما يحب أن يسميها. لأنه يعيش بحمولة من الأحلام رغم وضعه الاجتماعي المزري المقود جدا جدا ..
فقد رافقته إلى غرفته بأحد أحياء مراكش العتيقة // حي أزبزط // يوم الجمعة كان المكان عبارة عن زريبة فمساحة الغرفة لا تتعدى مترين على متر و نصف و نسبة الرطوبة مرتفعة لم أتحملها فخرجت مسرعا ليدور اللقاء بيننا بأحد مقاهي ساحة الربح // جامع الفناء // .لأنني تخيلت, الغرفة و كأنها سجن من سجون مملكتنا العزيزة و عادت بي الذكريات إلى روايات لمعتقلين سابقين حول معتقل // تازمامارت // الرهيب الذي لا يختلف كثيرا عن سجن مراكش الرهيب و السيئ الذكر // بولمهارز // حفرة للمستضعفين و فندق خمسة نجوم// لملوك الزنازين// من يدفعون إتاوات لبعض الحراس و لنا عودة للموضوع بالتفصيل الممل ...
دعاء كوحلالي
و الله لا أتمنى دخول أي أدامي إلى هادا السجن المخيف حتى و لو كان // شاليط // المحتجز لدى عصابة الدموي خالد مشعل و الضبع إسماعيل هنية..
ما عالينا.. قلت ..
حلم مجيد الشاب الطيب المثقف بين أزقة التشرد و صعلكة الحياة, فبعد حرب ضروس مع الفقر و الجوع و فقدان الأبوين , عاش الفارس بدون معيل و لا حبيب و لا قريب ليصبح شيطانا في ثوب ادمي يلعن اليوم الذي ولد فيه وزاد سخطه اكتر, ليكره بلده و مسقط رأسه, و من خلال الدردشة معه أحسست أن السكين قد وصل الرقبة و لم يعد يتحمل هاد الفارس البقاء على ارض لم تنصفه و أقدار خذلته. و بدا حلمه ينمو رويدا رويدا.. و لب الحلم ليس إلا.. جمع حقائبه و التوجه إلى // قارة الأحلام // أستراليا. فقد حكا لي الأحاجي و الألغاز عن هادا البلد البعيد و من خلال زيارته المتكررة لهاد البلد صار مدمنا على الدهاب إلى سيدني بل يعرف تاريخ البلد ويحفظه عن ظهر قلب .............
عبر النت..أيها الإخوة..
اربطوا أحزمتكم رجاءا..الولد لسة مرمي بين شوارع المدينة الحمراء..مراكش
على لسان مجيد يقول // عندما أغادر هاده البلاد فلن أعود إليها... يلعن...دين...//,تمنياتي لك يا خلي أن تهديك الحياة وردة و يتحقق الحلم ..يا ربي..
الله يبشبش الطوبة الي تحت رجليك يا عبد الوهاب عندما قال // عشن الشوك الي في الورد بحب الورد //.
خاتمة مجيدية //
تمت الدردشة بأحد مقاهي ساحة الربح / جامع الفناء / بمراكش يوم الجمعة 07 / 08 / 09 على الساعة السابعة ليلا بالتوقيت العالمي.
ادا كان هادا الله عادل كما يتشدق علينا أتباع محمد فانا لا أؤمن بأنه عادل فليس هناك عدل و لا زفت..
عذرا أيها الإخوة, ما شاهدته بأم أعيني من خلال الغرف المجاورة لأسر بجانب غرفة مجيد أحسست برغبة شيطانية في التقيؤ..
وقفة كوحلالية
كان ودي أن تكون الرواية مجرد قصة قصيرة يعج بها خيال قصاص مخبول , فللأسف انه الوقع تحت رداء أسود قاتم..واقع مرير لنموذج و لا ريب أن هناك ملايين من النماذج بمغربنا و لكم النموذج رقم 2..
فتى مراكش, الملاك متجول دو 14 عاما
تعلم الاختلاط بجميع أنواع البشر و واظب على الاحتكاك المستمر بهم , إلى أن تتمهد الأجزاء الغير متساوية من عقلك و هدا ما لا تستطيع أن تفعله ادا كنت في عزلتك..
دايل كارنيجي
نور الدين عمره لا يتجاوز 14 حولا , تلميذ سقط من أحد الأحياء الأكثر فقرا و بؤسا بمراكش العتيقة الصامدة خلف أسوارها العالية التي تخفي من ورائها عالمين , عالم الأثرياء الجدد من بلاد الفرنجة و جلهم متقاعدين من فرنسا... و عالم الدراويش أبناء المدينة الصامدين أمام غزو العيون الخضراء و اللحوم الناعمة.
// حي عرصة الحوتة // توأم الحي السالف الذكر أعلاه // حي أزبزط // , الفقر و عربدة الشباب و الحشاشين و المشادات الكلامية بين الشباب و النسوة ..باقة من مظاهر جل أحياء مراكش العتيقة..
انه عالم آخر..لكن أجد راحتي و متعتي وسط هؤلاء..الدراويش رغم علمهم بدفاعي عن المثليين و دوري كمنسق لجمعية / كيف كيف / لكنهم يحترموني لأنهم بسطاء لا يحملون أفكارا سياسية تجارية و لا يسألون المناصب ,و أحلامهم بسيطة ألا و هي الهجرة تم الهجرة..و ليس غير الهجرة..
نور الدين الفتى دو 14 عاما , صاحب الوجه المبشوش الوسيم جدا , العاشق الولهان للموسيقى العازف الماهر على / الدربوكة / .
اربطوا أحزمتكم جديا و تأكدوا من أن الأحزمة مربوطة جدا..
نور الدين فتى كثير الضحك يحب النكت له لكنة مراكشية أصيلة فتانة , لن تجد الملل و أنت إلى جانبه فرغم حداثة سنه إلا انه يجلب الناس بلطا فته و لباقته في الكلام .ولد صالح بكل ما تعنيه الكلمة..
كيف دالك يا كوحلال ياولدي؟
نور الدين يعيش رفقة والدته و أربعة من أشقائه نشأ بين ربوع ساحة جامع الربح الشهيرة ب / جامع الفناء / و كان يعزف على الدربوكة و يردد مع مجموعة من الشباب قطع من التراث المحلي و يحفظ عن ظهر قلب أغاني مجموعة / ناس الغيوان/ الشهيرة, و كان السياح و المغاربة يغدقون عليه بلا حساب و كل ما كان يجنيه من عمله كان يضعه بين كفي والدته التي كانت تبيع السجائر بالتقسيط غير بعيد عن مقهى // أركانة / غير بعيد عن المقر الرهيب / للشرطة القضائية/ بمراكش.
أضع اسم المقهى / أركانة / لغرض التأكد مما أرويه لكم أيها الأفاضل و الفاضلات بلا نقصان و لا زيادة..و ضميري شاهد على ما أقول..
بعد أن اشتد المرض بالسيدة المجاهدة والدة نور الدين اضطر هادا الأخير إلى خلافة والدته التي أصيبت بداء السكري , و صار الابن البار الصالح يبيع السجائر بالتقسيط متجولا بين ربوع الساحة التي تعج بالبؤساء // فينك يا فكتور هيجو.. تشوف البؤس.. بصح و صحيح //.
ملاليم يحصل عليها نور الدين كل مساء تعتبر المورد الرئيسي لأسرة تتكون من ستة أفراد , حسب ما رواه لي نور الدين حيت يقول // كل يوم و رزقو هناك بعض الايام استطيع جمع 100 درهم / 10 يورو / لكن معدل المدخول اليومي لا يتعدى 60 درهما // .
نور الدين صار بطلا للمشي يقطع كيلومترات في اليوم من اجل إطعام 6 أفواه مفتوحة انه حقا فتى مجاهد صبار انقطع عن عالم الطفولة و تحمل قحبنة الحياة و صعلكتها من اجل والدته المريضة و أشقائه الحمائم اللطيفة الوديعة .
و نحن نتذاكر غير بعيد عن حديقة // عرصة البيرك // المحاذية لساحة البؤساء.// .جامع الفناء // نزل علي نور الدين بكلام جعل العبارات تسقط خلسة من بين جفوني و و ضعت نظاراتي الشمسية تلافيا للإحراج أمام ملاك بسروال لا يصلح حتى لمسح الأحذية .الفقر شيطان يتعقب البسطاء و يبتعد بآلاف الأميال عن أصحاب المؤخرات المكتنزة و البطون المنتفخة اللذين نهبوا خيرات المغرب ..
يقول السيد نور الدين الملاك الذي دخل قلبي بدون استئذان.
كل مساء عندما أعود إلى بيتنا يطوف بي إخوتي الأربعة الصغار يطلبون مني نقودا لشراء الشوكلاتة ..فأنا دائما أضع جانبا قطعا نقدية من فئة 20 سنتيما أوزعها بالتساوي على أشقائي..لقد أصبحت أنا الأب ..
سؤال كوحلالي
اخبرني يا نور الدين بالنسبة للأرباح التي تجنيها كيف تصرفها ؟
جواب نور الدين
والدتي مقيدة بسلف , فبعد وفاة والدي, ظل هناك دين مسجل عليه لم يسدده لصاحبة المنزل الذي نسكنه, و عليه فوالدتي تحملت بقية الدين , فالمنزل الذي نسكنه اشتراه والدي لكنه لم يسدد تمنه كاملا . لكن المشكل المطروح هو كيف سوف أتابع دراستي تحت هاده الظروف المقودة..
فوالدتي مريضة و ليس هناك معيل , و رمضان على الأبواب و تعرف لوازم و مصاريف شهر رمضان .............//.شهر الشهوات بامتياز//..
وقفة كوحلالية
تعرفت على نور الدين من خلال مجيد عاشق أستراليا , فأنا دائما اركض في اتجاه عالم الدراويش و المعذبين , الملاك أخبرني انه كل صباح عند خروجه بقيل جبين والدته و يطلب منها أن تملأ صباحه بدعوات , لمست من نور الدين انه صبي ليس كباقي الصبايا أحسست أنني اتحدت إلى رب أسرة فكلامه اكبر من سنه بكثير لا يفكر إلا في والدته و أشقائه.............
خاتمة كوحلالية
هادا الصباح الاثنين 10 / 08 / 09 على الساعة العاشرة و النصف حضر نور الدين إلى المقهى و أنا كنت منغمسا في كتاب للعلامة و المفكر المغربي / محمد عابد الجابري / و قدم لي شقيقه الأصغر لا يتعدى عمره سبع سنوات حاملا علبة من العلكة , و خاطبني // هاد أخي سوف يساعدني في مصروف البيت // فقلت له , هل أفطرت يا نور الدين ؟ فخاطبين لا يا أستاذ.
قلت له لمادا ؟
فأجابني بسرعة فائقة// والدتي مريضة جدا هاد اليوم و لم تستطع مغادرة الفراش
. فما كان علي إلا أن قمت بالواجب ..
خاتمة كوحلالية
أضع أمامكم أيها الأفاضل و الفاضلات صورة لمغرب المعذبين و لكم واسع النظر و أعترف لكم أنني بكيت كثير من أجل , مجيد و نور الدين و كتبت المقال و أنا أتنفس بأقداح من الويسكي لعلني أتغلب على المشاهد التي غيرت ضربات فؤادي المجروح .
عذرا على وقاحتي أو ربما صراحتي أو ربما حماريتي / بكسر الحاء / المبالغ فيها فانتم الحكم من خلال تعليقاتكم..
و لكم واسع النظر ..لكن اعلموا أنني حزين على أمثال مجيد و نور الدين
.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire