مراكش الحمراء // مقالات.
قلم : علاء كعيد حسب
العلاقات المغربية الإسرائيلية : بين التصريحات الرسمية و أرض الواقع
يعتقد الكثيرون, أن سياسة المملكة المغربية تعتمد على عنصر المرونة , في التعامل مع القضايا التي لها حساسية لدى الضمير المغربي . و تشكل القضية الفلسطينية أحد النقاط الحرجة التي تتعامل معها السلطات في المغرب, بنوع من الازدواجية, تسمح بالحفاظ على صورة محترمة (نسبيا) أمام الشارع, و في الوقت نفسه على المصالح التي تربطها بالكيان الصهيوني, فيما يسمى بالمصلحة المشتركة للبلدين. لكن هل أخد النظام المغربي بعين الحسبان معادلة التعامل مع كيان لا يعترف بحق الآخر و همه الوحيد: تنفيذ المخططات ؟
لم تكن العلاقات المغربية الإسرائيلية متوترة في يوم من الأيام عكس ما تسوقه الإدارة المغربية من حين لآخر, للمواطن المغربي و العربي في صورة تصريحات رسمية منددة بالسياسة الصهيونية و أعمالها العدوانية اتجاه أهالي فلسطين. أو على شكل قطع العلاقات الرسمية, كما حدث بعد اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية في 23 أكتوبر 2000. حيث أقدمت السلطات المغربية على إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط , كردة فعل ذكية لامتصاص تحركات الشارع المطالبة بقطع العلاقات فوريا مع إسرائيل و مساندة فلسطين بكل الوسائل المشروعة و غير المشروعة لرفع الظلم و الحيف عنها.
و يجد المغاربة نوعا من الحرج في التعبير عن متانة العلاقات بين إسرائيل و المغرب, و التي وصلت إلى حد التطبيع غير المعلن. في الوقت نفسه يؤكدون على الدور الحيوي الذي يلعبه 700 ألف إسرائيلي من أصل مغربي و بعض اليهود المغاربة المؤثرين في مراكز صنع القرار بالمغرب , في الحفاظ على هذه العلاقات و استمرارها بالشكل القوي الذي نلامسه اليوم . رغم التوتر الذي تشهده الساحة الفلسطينية بين الفينة و الأخرى , و ما يلي ذلك من تداعيات على الشارع المغربي . و قد يكون سحب السفير المغربي من فنزويلا و إغلاق السفارة الإيرانية بالرباط, أحد الثمار الخفية لهذه العلاقة المتميزة, حسب بعض التصريحات. و رغم إقرار السلطات المغربية بعدم وجود أي علاقة مع الكيان الصهيوني , تفند صحف إسرائيلية هذا الإدعاء و من بينها صحيفة معاريف التي أوضحت : أن سحب المغرب لممثله من تل أبيب لم يكن إلا أمرا سطحيا , لأن اتصالات الجانبين استمرت على أعلى المستويات .
و يشك البعض, أن التعاون (المغربي الإسرائيلي) يمتد لأكثر من خمسين سنة ماضية, تجلى في عمليات ترحيل قامت بها الحركة الصهيونية بتواطؤ مع السلطات المغربية مقابل مبلغ 20 مليون دولار حصلت عليها المملكة المغربية ثمنا ل 80 ألف يهودي تم ترحيلهم إلى إسرائيل. ((كما ورد في كتاب (الرابط المغربي) لكاتبه الصحفي و الضابط السابق في المخابرات الإسرائيلية (شموئيل سيكي) )) .كما أن تورط الموساد في عملية اختطاف و قتل المناضل المغربي المهدي بن بركة ,أكد وجود تلك العلاقة . و يتهم البعض جهاز الاستخبارات المغربي والملك الراحل الحسن الثاني, بالتجسس لصالح إسرائيل و تزويدها بمعلومات أفادتها في حروبها ضد العرب.
من جهة أخرى يشهد الاقتصاد المغربي تغلغلا إسرائيليا سافرا , دفع بالعديد من المتتبعين إلى التساؤل عن مدى حجم هذا التغلغل و عن الوسائل التي يستعملها الإسرائيليون للتستر عن نشاطاتهم الاقتصادية التي توجه أرباحها لفائدة الجيش الإسرائيلي. و فيما تحيط السلطات المغربية علاقتها مع الكيان الصهيوني بكل أنواع التعتيم, يبقى من العسير التوصل إلى القيمة الحقيقية للأموال الإسرائيلية المستثمرة بالمغرب. و قيمة التبادل التجاري بين البلدين, تبقى أضخم بالمقارنة مع ما ذكرته بعض التقارير الإسرائيلية. كالذي صدر عن هيئة (IEICI: Israel Export and International cooperation Institute ) و الذي كشف عن قيمة 2 مليون دولار (تقريبا) في النصف الأول من سنة 2005, و تقرير الهيئة الإسرائيلية الذي أكد تصدير 46 شركة إسرائيلية لما قيمته أكثر من 2 مليون دولار إلى المغرب في النصف الأول من سنة 2006. و قد أكد ذات التقرير, أن 28 شركة مغربية تعاملت مع شركات إسرائيلية. و تظل الأرقام, مجرد الشجرة التي تخفي الغابة. و سبق و اعترف وزير الفلاحة المغربي (السابق) إسماعيل العلوي بوجود شركات مغربية تستورد من هولندا و الدنمارك , منتجات مصنوعة في إسرائيل . و للإشارة فالتقارير الحكومية تنفي و تضيف: أنه في حالة تواجد تبادل تجاري بين البلدين , فإنه يدخل في دائرة التهريب .
تواجد شركات إسرائيلية (تعمل تحت غطاء شركات أخرى)على التراب المغربي الذي وقعت حكومته على قرار 2800 لمجلس الجامعة العربية بتاريخ (1961-09-19)القاضي بعدم ربط أي علاقة مع النظام الإسرائيلي, تواجد محرم...مشين و مرفوض كليا. خصوصا إذا علمنا أن تلك الشركات , تمول الآلة الحربية الصهيونية(بطريقة أو بأخرى) في عمليات التقتيل و الإبادة التي تمارس ضد إخواننا في فلسطين .
و الغريب أن نجد بعد الحكومة, عينات من المجتمع المغربي (لا تمثل إلا نفسها), تبادر إلى ربط علاقات مع الكيان الصهيوني. ومنها من يتردد في زيارات خاصة إلى إسرائيل, تحت غطاء الثقافة و تبادل الأفكار. و قد أفادت(مؤخرا) العديد من المنابر الصحفية بالمغرب , عن زيارة وفد أمازيغي مغربي لإسرائيل ضم العديد من العملاء و المتملقين الذي لا يمثلون الأمازيغ , و إنما أنفسهم . و أضافت أنه أول وفد غير عربي يزور إسرائيل بعد العدوان الإسرائيلي على غزة, و تندرج الزيارة التي أستنكرها جميع المغاربة (عربا و أمازيغ) في سياق ثقافي .
و هنا أتساءل عن نوعية الثقافة التي يتقاسمها هؤلاء مع كيان مستبد تطغى على سياسته أفكار إجرامية و عنصرية ؟ و بماذا يا ترى ستفيد هذه الثقافة المغرب؟ و ماذا لو انقلب السحر على الساحر و حاولت إسرائيل بلورة فكرة الأمازيغ سكان المغرب الأصليين لطرح فكرة حكم ذاتي لهم ,تستغلها لتضغط على المغرب كورقة أخيرة تقضي على وحدته الترابية و تحول غناه الثقافي إلى نزاع عرقي و فكري . إذا أخدنا بعين الاعتبار مطالبة الانفصاليين الصحراويين المدعومين جزائريا باستقلال الصحراء الغربية عن المغرب, رغم عرض الأخير لمشروع حكم ذاتي قوبل بالرفض بدعوى حق تقرير المصير؟.
و هنا تتضح لنا أحد الوسائل التي قد تنهجها إسرائيل في حال عدم تطبيع المغرب لعلاقاته علنا معها ,ولعب دور أكبر في إقناع الدول العربية الأخرى في المضي قدما نحو التطبيع (الاعتراف الرسمي بالصهيونية).
ثقافة الكيان الصهيوني المتعصب التي يحاول بعض العرب تسويقها مقابل دولارات, هي ثقافة الإرهاب و النازية (بشهادة يهود شرفاء). تظن أن الله اختارها لتقود العالم, لأنها الأسمى بين الأجناس التي خلقها. و تسعى في مجمل أفكارها إلى تحطيم روح الاعتزاز لدى الغوييم (غير اليهود) و إثارة الفتن بين الحكام و الشعوب , تحت شعارات الحرية و حقوق الإنسان.
فالصهيونية في عمقها تهدف إلى إخضاع المجتمعات و طمس تاريخها و تحريفه, بالشكل الذي يتوافق مع مصالح و معتقدات اليمين المتطرف الإسرائيلي . ((لأنها(الصهيونية)جاءت لتقول: أنت يهودي, أنت مختلف. يجب أن تكون عدوا, يجب أن تكره العرب, و يجب أن تبني أسوارا, يجب أن تبادر بالهجوم قبل أن يهاجموك.و هذه هي ذهنية الجيتو GITOUمن أوروبا الشرقية)) . (الكاتب و الأديب اليهودي العراقي سامي ميخائيل) .
الكيان الصهيوني بكل وجوهه و مؤسساته الملتوية, ليس إلا أداة استعمارية تسعى لاستغلال الثروات و إخضاع الشعوب بطريقة تخدم مصالحها و أخر همها, كرامة الإنسان. و أنا إذ أنتقد هذا الكيان, فلأنه أثبت كفاءته في القتل و الترحيل و الخداع المنقطع النظير. و كتابتي لهذه السطور , جاءت ثمرة مخاوف تبدو جلية الملامح بسبب هذا التغلغل غير المعلن في كل المجالات , و الذي قد تتخذه بعض التيارات السلفية ذريعة للقيام بعمليات تخريبية بالمغرب.
و للتذكير, فأنا لا أتطرق لليهود الذين فضلوا البقاء في المغرب بدل الهجرة إلى إسرائيل, لأنهم أثبتوا وطنيتهم في اختيارهم و تمسكهم بالبلد الذي عاشوا فيه مئات السنين و كونوا فيه علاقات و روابط ما زالت قائمة حتى الآن. و المغرب معتز بهم و يضمن بموجب الدستور لمواطنيه منهم , ممارسة معتقداتهم و أعمالهم بكل حرية من دون قيد أو تمييز. و قد عبر بعضهم في العديد من المناسبات , عن رفضه التام للسياسة الوحشية التي تنهجها إسرائيل. لكني أحذر من أولئك الذين يأتون من إسرائيل لإقامة مشاريع بالمغرب (الوطن الثاني كما يدعون), لأننا لا نعرف مدى صدقهم. و ازدواجية الولاء التي يطبل بها بعضهم , كاذبة . لأن الفرق في أسس الدولتين كبير جدا . و لا يمكن الولاء للاثنين معا, لأنهما متناقضين ببساطة. لأن الصهيونية تجربة استيطانية استخدمت و تستخدم الديانة اليهودية في تحقيق مطامعها الاستعمارية. و المغرب بلد مسلم تاريخه المشرف غني عن التعريف.إلا إذا اعتبر هؤلاء , المغرب متصهينا .
و في انتظار أن تكشف التقارير عن التجاوزات , يبقى المغاربة ((الأمازيغ و العرب و الصحراويين و اليهود(الذين فضلوا المغرب على إسرائيل)و حتى من لهم أصول إفريقية)) أهل للمسؤولية الملقاة على ظهورهم و يدركون مدى خطورة الوضع الراهن , لأنهم اكتسبوا مع مرور الزمن القدرة على ملاحظة ما يحاك خلف الكواليس . و مهما بدت الأطماع الأجنبية قادرة على تحقيق أهدافها من خلال مرتزقة من الداخل و الخارج, و مهما بدت السلطة ساذجة و عميلة. ستكون نهاية من يسعى لوضع يده على المغرب , قطع يده و يد من هيئ له الظروف المواتية لمحاولة النيل من أرض المغرب و شعبه . لأنهم (ببساطة) يرفضون يوما تقول فيه وكالات الأنباء:
عاد المساء
و لا رجال يثبتون فحولتهم
للنساء القرية بعد العشاء
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire